[img]http://www.alriyadh.com.sa/*******s/11-05-2004/Mainpage/images/T3.jpg[/img]

لوحاتي أصبحت تعود لفلسطين لأنني بدأت أعود لطفولتي


كان حلمه أن يكون مقاتلاً في صفوف الثورة الفلسطينية لكن الظروف شاءت أن يكون فنانا يقاتل من خلال لوحته، أصبح فنانا بالفطرة ولم يتلق الفن في معاهده.
الفنان عبد الحي مسلم ولد في قرية الدوايمة، الخليل عام 1933، تميز بتكنيكه الخاص الذي يشكله بمزيج من نشارة الخشب والغراء، يطوعها لأشكال ثلاثية الأبعاد لمعالم القرى والحياة اليومية، والتجمعات العائلية، وملابس الناس التقليدية، يلون الفنان هذه الأشكال مستنداً إلى التراث الشعبي الفلسطيني.
قال عنه الفنان التشكيلي الراحل مصطفى الحلاج :"يُغني بصوت جهوري فيستدرج الأشباح المعتمة التي تهمهم بصوت خافت، فيقبض عليها بأناماله فتصرخ، ويثبتها جسماً من معجون (نشارة الخشب والغراء) على سطح الخشب إلى الأبد.
أقام مسلم أكثر من 35معرضاً عربياً وعالمياً، منها معرض اقامه في مدينة طوكيو في أعقاب مذبحة صابرا وشاتيلا مع ثلاثة وثلاثين فناناً يابانياً تناول فيه المذبحة التي حدثت في لبنان في العام
1982.التقينا الفنان عبد الحي مسلم في مرسمه وبين لوحاته وجدارياته، وكان لنا معه الحوار التالي:
@ بدايةً لنتحدث عن كيفية دخولك إلى عالم الفن؟
- أنا مسكون بالهاجس والهم الفلسطيني، ومنذ الصغر كان حلمي أن أكون مقاتلاً في صفوف الثورة الفلسطينية لكن الظروف شاءت أن لا يتحقق هذا الحلم فكانت ردة الفعل عندي عنيفة تجاه ذلك، لذلك بدأت البحث عن وسيلة أقدم فيها قضيتي، فكان توجهي إلى عالم الفن وأنا في سن الأربعين علما أنه لم يكن لي قبلها أي اختلاط بعالم الفن أو حتى حضور المعارض وما ساعدني على التوجه إلى هذا النوع من الفنون، قدرتي منذ الصغر على تشكيل الخشب واللعب به، وأريد أن أذكر شيئاً مهماً هنا أنني منذ بدايتي الفنية في عام 1970أغلقت على نفسي ما يقارب العشر سنوات ولم أختلط بأي من الفنانين وربما هذا أفادني كثيراً في تشكيل أسلوبي الخاص.
@ ما هي المكونات التي تستخدمها في تشكيل لوحاتك؟
- المواد التي تدخل في تشكيل لوحاتي عبارة عن نشارة الخشب الناعمة معجونة بالغراء الأبيض لتصبح مثل الطين الذي يتشكل منه الفخار، وأعمل على تشكيل هذه المادة التي أصنعها لأبدأ بتكوينها على شكل لوحة، ولكن أثناء هذه العملية لا أقوم بالرسم أبدأ قبل تشكيل اللوحة لأنني لا أعرف الرسم وإنما أبدأ مباشرةً بتكوين الفكرة التي في رأسي على قطعة الخشب مستفيداً من تجربتي الطويلة وقدرتي في السيطرة على هذه المادة ومعرفة جوانبها السلبية والإيجابية.
@ لماذا نلاحظ أن معظم لوحاتك تستند لها على الفلكلور والتراث الفلسطيني؟
- هناك عدة أسباب دفعتني في ها الاتجاه منها أنني أشعر كلما تقدمت بالسن بأنني أعود إلى طفولتي وأحن إلى قريتي التي ولدت بها وذكرياتي المتعلقة بالبيئة الفلسطينية والتراث والفلكلور، أما السبب الآخر فهو القرصنة والسرقة التي يمارسها العدو الإسرائيلي تجاه تراثنا وفلكلورنا والإدعاء بأنه ملك لحضارته وتاريخه فنلاحظ بيع إسرائيل للزي الشعبي الفلسطيني في أوروبا على أنه زيها، لذلك توجهت لتوثيق الفلكلور الفلسطيني عبر لوحاتي لدحض أكاذيب الإسرائيليين.
وأريد أن أذكر هنا أيضاً أن معظم لوحاتي التي أشكلها مستوحاة من الأغنيات الشعبية الفلسطينية التي كان ينشدها الناس في مناسباتهم المختلفة :الأعراس، قطف الزيتون، الطهور.. الخ.
كما أنني منذ الصغر نشأت في أسرة تطرز الأثواب الفلسطينية وكنت أذهب مع والدتي إلى المناسبات المختلفة لذلك فقد تشكل لدي مخزون هائل من الفلكلور والتراث الفلسطيني.
@ لك تجربة مهمة في بيروت عام 1982أثناء القصف الإسرائيلي للمدينة، حدثنا عنها؟
- في عام 1982أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت، وفي محاولة للاثبات أمام العالم أن الإنسان العربي قادر على الصمود والإبداع في أصعب اللحظات كنت أجلس على الأرصفة أثناء القصف وأبدأ بتشكيل اللوحات التي تتحدث عما يجري في بيروت جراء القصف من صمود أسطوري وملحمي فأنجزت ما يقارب الثلاثة عشر عملاً، وفي إحدى الأيام التي تواصل فيها القصف لمدة 10ساعات خرجنا بعدها إلى الشوارع وجدت دمية ملقاة في إحدى الطرقات وممزقة فتبادر إلى ذهني لحظتها الطفل صاحب هذه الدمية وما الذي حل به وما هو مصيره، فكانت هذه الدمية موضوعاً لإحدى لوحاتي المنجزة وقتها وحملت عنوان (حتى لعب الأطفال لم تنج من هذا القصف)، وهذه اللوحة التي شاركت بها في معرض مع 33فناناً يابانياً أقيم في مدينة طوكيو عن مجزرة صبرا شاتيلا بعد خروجنا من بيروت عام 1982، لا تزال مع أحد الأصدقاء الفنانين اليابانيين.
@ وماذا عن علاقتك بالتشكيلي الفلسطيني الراحل مصطفى الحلاج؟
- صحيح أن علاقاتي مع كثير من الفنانين العرب جيدة لكن العلاقة الأميز كانت مع الراحل مصطفى الحلاج الذي تعرفت عليه في عام 1979عندما دعيت من ليبيا لحضور تأسيس اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين،
استمر التواصل مع الحلاج بشكل قوي وأسسنا معاً قاعة ناجي العلي للفنون التشكيلية في دمشق بعد الخروج من بيروت عام 1982، وفي اعتقادي أن الحلاج هو الوحيد الذي أطل على داخلي وفهمني من حيث تقنيتي في العمل وما الذي أقصده، لذلك شكّل موت الحلاج خسارةً كبيرة، كما أن الطريقة التي مات بها الحلاج باحتراقه داخل مرسمه وهو يحاول إنقاذ لوحاته تدل على مدى تمسك هذا الإنسان بفنه وعمله الذي أفنى سنوات طويلة من عمره في إنجازها.
@ في تجوالنا داخل مرسمك شاهدنا جدارية تصور فيها الحلاج، ماذا قصدت بهذه اللوحة؟
- في الحقيقة وفاء مني للراحل مصطفى الحلاج وتكريماً له وجدت أنه لزاماً علي أن أقدم شيئاً لذكراه، فكانت تلك الجدارية عنه وهو يعود إلى فلسطين وهيئته كشيخ كنعاني يواجه الوحش الإسرائيلي الدموي وإلى جانبه حصان ممد عليه والده الذي كان يحلم دائماً بالعودة إلى فلسطين بعد أن هاجر إلى مصر.
@ ماذا قدمت من لوحات تعبر عن الانتفاضة الفلسطينية الراهنة؟
- قدمت عشرات اللوحات التي تحكي عن الانتفاضة الفلسطينية الحالية (انتفاضة الأقصى) ولكن بسبب كثرة المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق أبناء شعبنا داخل الارض المحتلة بشكل يومي فقد تولد لدي شعور بأنني يجب أن أقدم لوحة أبين فيها الشهداء بشكل جماعي فكانت جدارية عرس الشهداء التي استغرق العمل فيها حوالي 6أشهر، كما قدمت جدارية كبيرة عن مجزرة مخيم جنين، وشاركت في عددٍ من المعارض كان من بينها واحد في إيران فيه ثلاث جداريات عن الانتفاضة الفلسطينية ومن الأعمال التي أنجزتها مؤخراً كانت جدارية عن الأمريكية راشيل كوري التي قتلتها القوات الإسرائيلية في غزة، وكان الدافع لهذه الجدارية إظهار مدى الوحشية الإسرائيلية ضد جميع الأجناس وتكريماً لهذه الفتاة التي رفضت الظلم، وأنا الآن أحاول البحث عن طريقة لإيصال هذه الجدارية إلى اهلها تكريماً لهم.
@ ما هي المجالات التي ترتكز عليها حالياً في أعمالك؟
- هناك ثلاث مجالات أركز من خلالها على لوحاتي وهي، أولاً لوحات تتعلق برصد عمليات المقاومة الفلسطينية وإظهار المجازر الإسرائيلية المتكررة بحق شعبنا بدءاً من كفر قاسم ودير ياسين مروراً بصبرا وشاتيلا وصولاً إلى المجازر اليومية التي ترتكب حالياً، المجال الثاني هو التركيز على الفلكلور والتراث الفلسطيني وجمالياته من أغاني شعبية وإظهار للمناسبات المختلفة، أما المجال الثالث فهو الفن الكلاسيكي العادي بعيداً عن التراث والفلكلور الفلسطيني.
@ وماذا عن الحلم الذي يراودك حالياً؟
- أولاً حلمي بالعودة لأرض الوطن وقريتي التي ولدت بها وتربيت فيها، وثانياً محاولة جمع كل لوحاتي التي تتجاوز ال 600لوحة ووضعها في مكانٍ أمين وهذا يحتاج إلى جهد مؤسسي، فأنا تجاوزت السبعين من عمري ولا أخاف من الموت بقدر خوفي من ضياع هذه اللوحات التي اعتبرها ملكاً للشعب العربي والفلسطيني لأن فيها توثيقاً لتراثنا وفلكلورنا للأجيال القادمة.